- درج الحديث في الأوساط السياسية في العالم العربي عن ربيع عربي تقوده الجماهير من دون قيادة سياسية وفي نوع من القطيعة التاريخية مع الأحزاب الطليعية فهل توافق على ذلك؟ هل أن الشعوب الثائرة لم تعد بحاجة لقيادة تعمل في السياسة وكما يقول الشيخ امام في أغنيته "أنا الشعب ماشي و عارف طريقي"؟
ميشيل كيلو: الجماهير العربية لا تقود بل تصنع الثورة. ليس هناك قيادة سياسية، لكن توجد قيادة في الشارع تتألف من الشابات والشباب الثائر، وهؤلاء ينتسبون إلى المجتمع المدني ويحملون أفكاره، فهي التي تقودهم، بالطريقة التي يفهمونها من خلالها. الشعوب العربية بحاجة إلى قيادة، علماً بأن أيام الثورة الأخيرة شهدت في كل مكان من بلدان الربيع العربي بروز قيادات تقليدية أو حديثة .
- اذا أردنا توصيف المشهد بالنسبة للأكثرية في سوريا، فهل يمكن القول بأنهم وبعد أكثر من عام لا يزالون ضد النظام لكنهم اكتفوا بالمطالبة بذلك؟ هل يمكن أن نعزو ذلك الى وجود الشعب السوري بين مطرقة النظام الفاشي وسندان المعارضة؟
ميشيل كيلو: لا ليس الأمر على هذا النحو . اعتقد أن الأكثرية الساحقة من الشعب السوري ترفض النظام الحالي، لكنها لا تعرف بعد كيف سيكون النظام البديل، بينما تخاف أقلية من السوريين من المجهول والإسلاميين . ليس السوريون خائفين من العنف الرسمي، بدلالة بقائهم خلال 14 شهراً في الشارع، واصرارهم على مواصلة النضال في سبيل الحرية.
- ما رأيك بالآراء التي تعتبر أي نقد للثورة والتسلح مجرّد دعم مبطن للنظام؟ ألم يعد هناك من طريق ثالث للشعب السوري: إما النظام وإما المعارضة السياسية المهيمنة على الشاشات الخليجية وفي المؤتمرات؟
ميشيل كيلو: انا من الذين لا يكفون عن نقد الخطأ أينما كان. وقد انتقدت الأشخاص والشعارات والسياسات والتنظيمات، في المعارضة والموالاة، دون أن يتهمني أحد بدعم النظام .
- يبدو المشهد الدولي قاتماً بالنسبة للشعب السوري، فبعد أكثر من سنة يبدو أن الدعم الدولي للنظام شبه كامل، فهناك روسيا، والصين وايران تصطفان معه علناً أما الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية فتتردد بقوة في دعم أي جهد عملي لإسقاطه، فضلاً عن تخوّف الاسرائيليين العلني من ذلك. هل يمكن القول أن السعودية قد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي ترغب حقاً باسقاط النظام السوري؟
ميشيل كيلو: ليس صحيحا أن الدعم الدولي للنظام كامل. بالعكس النظام معزول دولياً إلى أبعد حد، وحتى روسيا والصين تعلنان أنه نظام انتقالي وانهما لا تدعمانه إلا من أجل مصالحهما، فإن اتيح لهما بديل لن يتمسكا بالأسد، كما قال وزير خارجية روسيا والرئيس بوتين نفسه أكثر من مرة. لم تقم أميركا إلى اليوم بممارسة ضغوط جدية على النظام، لأن اسرائيل تحميه وتعارض سقوطه وتخشى أن تخسر معه الضمانات طويلة الأمد التي قدمها لأمنها وتستمر منذ قرابة أربعين عاماً، كما تخشى وصول الإسلام المتطرف إلى السلطة، بينما السعودية تحارب إيران في سوريا، مثلما تحارب إيران في سوريا بدورها دفاعاً عن نفسها.
- بعد مبادرة عنان وموافقة النظام كما أعضاء من المجلس الوطني عليها، مثل رياض الترك، يبدو أنه هناك مشرورع قرار جديد أميركي، فرنسي وبريطاني بصدد ذلك لكنه يستثني من مبادرة انان نقاط مثل "ساعتين يومياً للمساعدة الانسانية" و "حرية التحرك للصحفيين في البلاد" و "تكثيف الجهود لإطلاق المعتقلين" و إصدار لوائح كاملة بأسمائهم وحق الناس بالتجمع والتظاهر سلمياً في البلاد...كما أن القرار الذي يطلب من النظام سحب السلاح الثقيل من المدن لا يذكر أيّ كلام بشأن استعمال السلاح "الخفيف" الذي يمكن أن يستمر من جانب النظام، فلماذا برأيك تم التغاضي عن كل ذلك في مشروع القرار؟
ميشيل كيلو: المهم وقف العنف وسحب السلاح الثقيل من المدن وإعادته إلى ثكناته . أما السلاح الخفيف فالشعب لم يعد يخاف منه، خاصة بعد ظهور الجيش السوري الحر .
- إن الثورة وبعد أكثر من عام لم تستطع اسقاط النظام بما هو بنية أمنية-عسكرية ما تزال متماسكة. لكن ذلك يعني أيضاً أن النظام باقٍ فقط بقوته العسكرية والامنية العارية أي من دون إذعان عقائدي consentement من قبل قطاعات كبيرة من الشعب السوري له، فهل تعتقد أن النظام من دون سيطرة أيديولوجية سيكون ضعيفاً جداً في السنوات المقبلة و قد يكون معرضاً لهزات كبيرة؟ و هل يعطيه ذلك فرصة كي يفتح الحوار الحقيقي مع و بين أطياف الشعب السوري أو أنه قد يتشدد أكثر في القمع و القتل؟
ميشيل كيلو: لا اعتقد أن النظام سيبقى لسنوات قادمة. أعتقد أن سيطرته الأيديولوجية ضعيفة، وإلا لما ثار الناس عليه وتمردوا ضده وبقوا أربعة عشر شهراً في الشارع . النظام صار نظاماً امنياً صرفاً وهو يعيش اليوم من العنف، فإن توقف وقع في مشكلة حقيقية، خاصة وأن التظاهر سيتسع وسيجلب ملايين البشر إلى الشوارع .
- ما رأيك بالاداء السياسي للمعارضة السورية بوجهيها "المجلس الوطني" و "هيئة التنسيق" وخصوصاً أنك صاحب تجمع آخر لا نسمع عنه كثيراً في الاعلام وهو المنبر الديموقراطي السوري الذي قرأت عنه في إحدى مقالاتك الاخيرة؟ وهل تعتبر هنا أنّ الاخطاء السياسية للمعارضة ساهمت بطريقة أو بأخرى في إطالة عملية القتل التي قام بها النظام بطريقة أو بأخرى؟
ميشيل كيلو: أداء المعارضة بالغ السوء، وهي نقطة ضعف الحراك الشعبي الرئيسة . أما "المنبر الديموقراطي السوري" ، الذي لست أنا صاحبه ، فقد تشكل قبل أسبوع واحد فقط في القاهرة ، ولا شك في أن أخطاء المعارضة أطالت عمر النظام وفترة القتل والعنف .
- يبدو أن المجلس الوطني الذي يسيطر عليه الاخوان المسلمون و هم على علاقة ممتازة بتركيا، العضو في الناتو، عاجز عن فعل أي شيء لا يوافق عليه الغرب أولاً و من ثم قطر و تركيا: ماذا يعني ذلك لكم؟ و ما هو دور قطر في كل ما يحصل ؟
ميشيل كيلو: لا يستطيع المجلس فعل ما لا توافق تركيا عليه، لأنها هي التي حشدت الإسلاميين وأشرفت على إعادة تنظيمهم وتأهيلهم السياسي. أما قطر فهي تكمل مالياً ما تفعله تركيا سياسياً، وكلاهما يعمل لخدمة الخيار الأميركي لحل الأزمة، الذي يبدو أن وقته لم يحن بعد .
- تكلمت في مقال سابق لك عن الحوار بوصفه سلاحاً ثورياً وأن الحوار لا يقلل من الثورية إذا تمّ في الوقت واللحظة المناسبين، لكنّ في الوقت الحالي الذي قتل فيه النظام أكثر من 10 آلاف شخص و يقال فيه إن أعداد المعتقلين في سوريا تتجاوز المئة الف فأن كل من سيحاور النظام الذي يمر بفترة يشتد فيها عوده من جديد داخلياً وخارجياً، سيفعل ذلك من موقع الضعف فيسهل تخوينه من قبل المعارضين الآخرين. فهل ذلك صحيح وماذا العمل، برأيك، بشأن ذلك خصوصاً أن النظام قد يقرر عدم الحوار والدخول في موجة قمع فاشية كبيرة مع توقف المظاهرات ؟
ميشيل كيلو: منذ البداية كان النظام يرفض الحوار . وهو ناور بورقته ليس من أجل أن يحاور بل لكسب الوقت . لم يعد أحد يرغب اليوم في الحوار مع النظام، ليس لأننا سنكون ضعفاء تجاهه، بل لأن النظام سيضيع وقتنا في آلاعيب لا نفع فيها ، تطيل عمره وحسب . أما التخوين من قبل الآخرين، فهو ليس عاملاً رئيساً في موقفنا من الحوار، لأننا وضعنا منذ البداية معايير للحوار تجعله لفائدتنا وللإضرار بالنظام ، وهي غير متوفرة اليوم، ولم تكن مجدية قبل إنهاك النظام وظهور علامات واضحة على ضعفه وانقسامه.
- إذا كان التدخل الدولي في سوريا لا يعني بالضرورة التدخل العسكري، يبدو لنا حينئذ أنّ مهمة الامم المتحدة والجامعة العربية تتلخص بعد كل هذا الوقت في إعطاء الوقت للاسد بالقتل أكثر وبدفع الثوار إلى التسلح بعد أكثر من سنة فهل ذلك مرده إلى عدم وجود بديل أكثر استتباعاً للغرب في سوريا لتسلّم البلاد كما كان المجلس العسكري في مصر بديلاً عن مبارك؟
ميشيل كيلو: ليس هناك تدخل عسكري ، وليس ذلك راجعاً إلى أوضاع سورية الداخلية وحدها بل إلى الوضع الدولي أيضا وبالدرجة الأولى، لذلك ستقوم الأطراف العاجزة عن التدخل المباشر بدعم تدخلات غير مباشرة ، من خلال تسليح الأطراف الداخلية ، الذي سيشهد تزايداً متعاظماً خلال الأشهر القادمة، إن لم يتم بلوغ تسوية ما في سوريا.
- هل يمكن القول إن أحد انجازات الثورة السورية كان من جهة الانتهاء من أيديولوجية "الممانعة" خصوصاً أنه ولأول مرة نرى إسرائيل وحزب الله يتشاركان القلق على مصير نظام الأسد من جهة بينما المجلس الوطني يبدو و كأنه طفل مشوه لأيديولوجيا الممانعة بطريقة ملتوية فاعتبار أن الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة وفرنسا يمثلون "الديموقراطية والحرية" فيما روسيا والصين تمثلان "الاستبداد" اذ الاخيرتين تدعمان النظام علناً؟
ميشيل كيلو: هذا صحيح، فالثورة أنهت أكذوبة الممانعة، التي شاعت رغم السلم المديد الذي منحه النظام لإسرائيل . لا أظن أن المجلس الوطني يعتقد أن أميركا والغرب هما الديموقراطية وروسيا هي الاستبداد، وهو أكثر برغماتية من ذلك بكثير، وإن كانت بعض أوساطه تعتقد ذلك بحكم علاقاتها مع تركيا.
- في ضوء السؤال السابق هل تعتقد أن الغرب أكثر من غيره، يعمل على زرع ملحقين به في سوريا من أجل السنوات القادمة و أنّ النظام اذا ما خرج ضعيفاً فانه سيفرض على الولايات المتحدة البحث عن طرق لتغييره بشكل ناعم؟
ميشيل كيلو: لن يخرج النظام من هذه الأزمة، التي ستقوضه تماماً، ولن تترك له أية فرصة للنجاة، مهما استمرت الثورة.
- هل تعتقد أن الموقف الاخير من المسألة الكردية والأكراد من قبل المجلس الوطني والذي أدى إلى شق صفوفه نابع من الخيارات السياسية التركية فقط؟ وهل تعتقد أنه كان من المناسب طرح هذه القضية المعقدة قبل سقوط النظام؟
ميشيل كيلو: كلا، إن للأكراد في سوريا حقوقاً يجب أن يحصلوا عليها، إن كنا نريد إقامة دولة ديموقراطية تكون لجميع مواطنيها. من المناسب طرح أية قضية قبل سقوط النظام، لكنه ليس من المناسب أن يعتقد أي شخص أو تيار أن وقت تحقيق مطالبه قد حان ، قبل سقوط النظام، وأن يتصرف على هذا النحو .
- ما رايك بالسياسة كما تمارسها اطياف معارضة حيث الشخصنة المتزايدة منذ فترة لا بأس بها للنظام في شخص الرئيس الاسد والتحويل العملي لمقولة "الشعب يريد إسقاط النظام" إلى "الشعب يريد إسقاط الرئيس"؟ وما هي قيمة كل ذلك سياسياً بالنسبة للحراك الثوري في سوريا؟
ميشيل كيلو: اكتشفت المعارضة أن إسقاط النظام صعب، وأن سقوط الرئيس قد يكون مدخلاً إلى إضعاف النظام وتسهيل سقوطه، فنادى باسقاطه.
- هناك من المعارضين السوريين من استنكر رسالتك المفتوحة الموجهة الى الأمين العام "لحزب الله" السيد حسن نصر الله باعتبارها نوعاً من الخيانة، ماذا تردّ على ذلك؟ وهل تعتبر أنّ انتشار ذلك حول "حزب الله" يمكن أن يعكس عدم القدرة البعض على تقبل أن حقيقة من يقوم بأعمال القتل هم سوريون مثلهم مثل الثوار؟
ميشيل كيلو: قال نصر الله إنه يريد وقف إطلاق النار، فطلبت إليه أن يقوم بمبادرة عملية من أجل بلوغ السلم في سوريا، لأن السلم لصالح الشعب . لا أعرف من اتهمني بالخيانة، لكنني أعرف أن السوريين يترددون كثيراً في توجيه هذه التهمة إلي.
- حتى اليوم ليس هناك أي دليل واضح على مشاركة "حزب الله" اللبناني للنظام السوري في القمع العسكري المباشر رغم دعم الأخير السياسي والاعلامي الكامل للنظام. لقد سمح هذا الدعم لأطراف تقول بإنها تدعم الثورة السورية كالسعودية، في تقوية بروباغندا مذهبية حول كون أعداء الثورة هم "الشيعة والعلويون". هل تعتقد أنّ هناك لوماً في ذلك على المعارضين العلمانيين السوريين في عدم مناهضتهم بشكل سياسي وملموس وكثيف لهذا الخطاب؟ وهل سهل ذلك على النظام استغلال ذلك لتصوير نفسه حامياً للاقليات وللاعتدال الاسلامي خصوصاً مع الدعم الذي يتلقاه من الكنيسة الاورثوذكسية السورية والمؤسسة الدينية السنية في سوريا؟
ميشيل كيلو: يقال إن لحزب الله قوات تحمي بعض قرى الشيعة قرب حمص، دون أن تشارك في القتال . العلمانيون السوريون كان يجب أن يعملوا بهمة وفاعلية لقطع الطريق على اللعب بالورقة الطائفية، من أية جهة يأتي . لكنهم لم يفعلوا ذلك، خاصة وأن النظام استغل ذلك لتحريض الناس طائفياً بعضهم ضد بعض، ولإظهار نفسه بمنظهر قوة تحمي الأقليات، التي سبق له أن خوفها طيلة اربعين عاماً ونيف من الإسلام والمسلمين، بعد أن دمغهم بختم التطرف والعنف.
- التقارير المتزايدة حول دخول سلاح بكميات إلى سوريا تتناقض مع تضخم التصريحات القطرية والسعودية بنيتهم دعم المعارضة بينما أردوغان اتفق مع أوباما على دعم الثوار في سوريا بالوسائل السلمية كالبطانيات والشراشف فماذا يشير ذلك برأيك؟
ميشيل كيلو: ستبقى المسألة السورية مؤجلة الحل إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، وربما يكون لقاء أوباما / بوتين في العاشر من الشهر القادم نقطة افتراق في الأزمة، إن تفاهم الرجلان .
- هل تعتقد أن الثورة السورية ولدت يتيمة و قبل أوانها؟ و هل كان يمكن تأجيلها؟
ميشيل كيلو: لقد ولدت في الوقت المناسب وجاءت رداً على خمسين عاماً من الإذلال الشنيع للشعب، وهي ستستمر إلى أن يتحرر المواطنون من القهر والظلم .
- ماذا ترى سوريا في المستقبل خصوصاً مع الانهيار الاقتصادي السريع الذي شهدته و ازدياد الحساسيات الطائفية فيها؟
ميشيل كيلو: سوريا ذاهبة إلى الديموقراطية بأي ثمن . أنا لا أخاف عليها من الانهيار الاقتصادي أو الطائفية، فالشعب السوري يفلح ويزرع منذ أربعة آلاف عام، وهو يمتلك خبرات هائلة في مجالات العمل والبناء.
- هناك اعداد هائلة من المشردين في سوريا و من سوريا هل تعتقد أنهم سيرجعون في هذه الظروف؟هل تنوي الرجوع قريباً الى سوريا؟
ميشيل كيلو: سأعود إلى سوريا في أقرب وقت انتهي فيه من عملي في باريس . العودة حق المواطن وعليه أن لا يتخلى عنه.